كانت جميلة, شقراء مراهقة ربما, ابتسمت لي و قدمت ورقة تعليمات, فهمت أنها صماء ولا تتكلم.
كانت هي ورفاقها يوزعون مناشير تثقيفية عن الصم و البكم.
ألقيت نظرة على المحتوى و أعطيتها ثمنه وأرجعت الورقة, لعلمي أني لن أذاكرها في الحقيقة, فأنا لا أعرف أبكما ولا أصما لأحدثه بلغته وقد تبيعها لأحد آخر فتستفيد من النقود.
رفضت مبتسمة, و أشارت لي أنها تريد مني قراءتها و تعلمها.
فهئلاء الصم لا يريدون شفقة ولا إحسان, يريدون الشعور بالمساواة و الحب أيضا و الأمان.
يريدوننا أن نفهمهم و نتعلمهم, لكي يفهمونا ويستوعبونا.
أخجلني موقفها كثيرا وجاء زميل لها انضم إلى الدردشة الصامتة بيننا.
تحدثنا مطولا فقط بالإشارات المبهمة تم شرحا لي كيفية صنع الكلمة باليدين, و الحديث بالأصابع كالشفاه يالسرعتهما.
فهمت انهما ينتميان إلى جمعية للصم و البكم, و أنهم جميعا يقومون بتوعية الناس, ليكون هناك في العالم أناس أكثر ليتحدثوا تلك اللغة و لتكبر المساحة التي يمكنهم التحرر فيها, المشي فيها و التعبير فيها قد يغنون أيضا وما المانع ... فالأصابع قد أغنتهم عن اللسان.
هل قابلت يوما أصما في حياتك أو أبكما أو ذا عاهة ما.
هل تشفق عليهم ؟ لا تفعل ... فهم لا يحبون ذلك.
هل تعطيهم الأولوية في الطابور مثلا ؟ كنت أفعل هذا في الماضي لذوي العاهات إشفاقا ورأفة بهم .... تعلمت أنهم يتضايقون من هذا العمل, فهم مثلنا لا فرق بيننا.
ويمكنهم مع الإرادة فعل كل و أي شيء.
لا تضايقهم و تشل إرادتهم بمحاولتك التعطف عليهم.
فهذا يكسر نفسهم و يحبطهم.
هذه ليست أسئلة محددة لتجيب عليها, وياريت الكل يحكي الي في خاطره و يتألق في رده بدل أن نقولب أنفسنا في قوالب لا نخرج بتفكيرنا منها و نكون نحن ذوي العاهات ممن يحتاجون لترشيدهم و التفكير عنهم..