بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
فضل العلم على العبادة :،
يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد في مسنده ، وابن ماجة :
(( يَا أَبَا ذَرٍّ لأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ وَلأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ))
[ أحمد و ابن ماجة عن أبي ذر]
هذا الحديث الشريف يبيِّن فضل العلم على العبادة . . لأَنْ تَغْدُوَ . . أي لأن تذهب ، والعلم له مواطن ، وموطنه في المسجد . .
((لأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ))
. . إذا تعلَّمت آيةً ، تعلَّمت قراءتها ، وتعلَّمت معناها ، وعملت بها ، ارتقيت ، والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾
[ سورة المجادلة : 11]
فالإنسان له عند الله مقام يحدِّده علمه ، ويحدِّده عمله ، فالذي يتعلَّم آيةً شيء ، والذي يتعلَّم آيتين شيء ، والذي يتابع مجالس العلم بحيث يستمع إلى تفسير سورٍ طويلة هذا شيءٌ آخر ، فكلَّما ازددت علماً ازددت من الله قُرباً ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( لا بورك لي في شمسِ يومٍ لم أزدد فيه من الله علماً))
[ ورد في الأثر]
وهناك قول آخر :
(( لم أزدد فيه من الله قرباً))
[ورد في الأثر]
إذاً هذا الحديث الذي رواه ابن ماجة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، يؤكِّد فضل العلم على العبادة ، لأن العالِم ربَّما كان . .
((فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ))
[ابن ماجة عن ابن عباس]
لكن العابد لأتفه سببٍ ، أو لأقل ضغطٍ ، أو لأقلِّ إغراءٍ تنهار مقاومته ، العابد مقاومته هَشَّة ، قد ينتكس بسرعة ، قد يترك بسرعة ، قد يعود كما كان عليه ، لأنه باني سلوكه على أحوال طارئة ، على فورة عاطفيَّة ، لكنَّه لو بنى سلوكه على تحقيقٍ ، ويقينٍ ، وحقيقةٍ ، وبحثٍ ، ودرسٍ ، إن العلم سلاح المؤمن ، فلهذا هذه الملاحظة الأولى المستنبطة من هذا الحديث الشريف :
(( يَا أَبَا ذَرٍّ لأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ . . .))
[ابن ماجة عن أبي ذر]
أي أنك تعلَّمت هذه الآية ، فاستفدت منها ، فارتقيت عند الله . .
(( . . . وَلأَنْ تَغْدُوَ فَتعلّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ))
[ابن ماجة عن أبي ذر]
لأنه بالتعلُّم تستفيد أنت وحدك ، لكنَّك في التعليم تُفيد ، والذي يفيد أفضل من الذي يكتفي بأن يستفيد .
23
الفقه الإسلامي - موضوعات متفرقة - الدرس 29 : فضل طلب العلم وآدابه.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1988-06-05