حزم أبناء العقيد القذافي الفارّون إلى الجزائر مع والدتهم أمتعتهم، ورحلوا عنها جميعًا، بعد تحسن علاقات نظامها بشكل متنام مع طرابلس، وتضييقها الخناق عليهم. فخافوا بالتالي من تسليمهم إلى حكومة بلادهم الجديدة، وفقًا لما أوردته «ديلي تليغراف» البريطانية.
ونقلت الصحيفة عمّن أسمتهم «مسؤولين في المنطقة» أن القيود الثقيلة التي ظلت الجزائر تلقيها فوق هؤلاء منذ وصولهم إليها إضافة إلى إحساسهم بأن صفقة ما بين سلطات البلدين ستدفع بوالدتهم إلى العودة على الأقل إلى ليبيا حدت بهم الى البحث عن ملجأ بديل في أفريقيا، التي تقرّب إليها العقيد كثيرًا في سنواته الأخيرة.
وقالت إن عائشة، المحامية، والمعتبرة أبرز أفراد أسرة القذافي في المنفى، انتقلت مع شقيقها هانيبال وأخيها نصف الشقيق محمد إلى بلد أفريقي لم تحدده بالاسم. لكن بسبب الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على تحركات بطانة القذافي الداخلية عمومًا، فالمعتقد أن أولئك توجّهوا إلى النيجر، التي تستضيف أخاهم سعدي في مجمّع تابع للقصر الرئاسي منذ زمن.
يشار إلى أنّ النيجر أحد خيارات قليلة أمام الأسرة، لأن مقتل القذافي غيّر الحسابات لدى «أحباب الأمس». فصارت فنزويلا وزيمبابوي خارج اللعبة، وأثبتت موريتانيا أنها الوجهة الخطأ، بعدما أعادت أخيرًا إلى الحكومة الليبية الجديدة عبد الله السنوسي، رئيس جهاز الأمن القومي السابق وعديل معمّر القذافي ويده اليمنى حتى مقتله.
ووفقًا للتقارير التي تناولت رحيل آل القذافي فقد ضاقت عائشة ذرعًا بالقيود المتزايدة التي فرضتها السلطات الجزائرية على مختلف أشكال اتصالاتها ومراسلاتها. وكانت قد عيّنت أخيرًا المحامي التونسي بشير الصيد، وكلفته تقصي الظروف التي أحاطت بمقتل العقيد القذافي لدى محكمة الجنايات الدولية.
لكن الحكومة الجزائرية عرقلت اتصالها به، قائلة إن هذا يندرج في إطار ممارستها نشاطًا سياسيًا كانت قد اشترطت على الأسرة الامتناع عنه مقابل استضافتها على الأراضي الجزائرية.
على أن «قشة البعير» جاءت بعدما توصلت السلطات الليبية والجزائرية إلى اتفاق يسمح بعودة أرملة القذافي، صفية، إلى بلادها «امرأة حرة». ويذكر أن صفية، الممرضة السابقة، هي والدة معظم أبناء القذافي، وقالت الحكومة الليبية إنها لم تكن شخصية سياسية، ولذا فباستطاعتها العودة إلى مدينة البيضاء، مسقط رأسها.
وكان شخص مقرب إلى الأسرة وذو منفذ إلى ثروتها قد زار النيجر لترتيب إقامة أفرادها هناك، وفقًا لمعلومات قالت الصحيفة إنها استقتها من رجل أعمال في لندن على علاقة وثيقة بذلك الشخص.
بدأت كل هذه التطورات في أعقاب زيارة قام بها وزير الخارجية الجزائري، مراد مدلسي، إلى طرابلس في وقت سابق من العام الحالي. فقيل إن الحكومة الليبية انتزعت منه وعدًا بتقييد نشاط أسرة القذافي على أراضي بلاده. ومنذ ذلك الوقت صار المجمع الذي خصصته الجزائر لسكن أفرادها وأطفالهم وخدمهم (قرب العاصمة) منذ العام الماضي بمثابة «سجن ذهبي» يخضع للحراسة المشددة.
من جهته، تسبب سعدي القذافي في الكثير من الحرج لحكومة النيجر على ضوء حفلاته الصاخبة في مطاعم عاصمتها نيامي واحتجاج طرابلس على الحرية الكاملة الممنوحة له. لكن هذا ليس حظ سيف الإسلام، الذي ينتظر محاكمته في بلاده كما هو معروف.