همسة في أذن الموفد
عندما أطلعت على هذه الكلمات النيرات, وما لها من أهمية لنا نحن المبتعثين خاصة وإلى الأخوة في الوطن عامة, أحببت أن تشاركوني في قرائتها, لعلنا نستفيد منها, وهي مقدمة لكتاب "رفع الذل والصّغارعلى المفتونين بخلق الكفار" ولمن أراد التوسع فأحيله للكتاب, ونسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه.
أخوكم طالب في أمريكا
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد , فإن الباعث على تأليف هذا الكلمات أنني كنت من زمن ألاحظ على كثير من المسلمين التأثر البالغ بالكفار , يكبرون فيهم أخلاقهم وحسن تنظيم حياتهم خاصة, تلك هي نظرتهم الظاهرية الساذجة , في الوقت الذي بلغ فيه أذى هؤلاء للأمة المحمدية ما لا يوصف , بغض النظر عن كفرهم الذي تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ؛ غضبا منها لحق الله سبحانه , وإنك لتعجب من هؤلاء المسلمين المشار إليهم في تصرفهم مع الكفار المعتدين , فألسنتهم تلعنهم , وجوارحهم تتبعهم والمستعمِرالكافر يعتدي على البلاد المسلمة ثم يخرج منها , فإذا بأهل تلك البلاد لا يعجبهم من لغات الحضارة إلا لغة المستعمِر المطرود , مع أن لهم لغتهم الرسمية ولهجتهم المحلية , بل قد تكون لغتهم لغة عريقة في الحضارة يتعلقون بثقافة مستعمرهم وينسون سنوات التعذيب والتشريد والحرمان التي كانوا وكان آباؤهم يعانونها منه , ورضوا بأن يكونوا له أذنابا , وقد كان لهم عذابا , وكلما تعلقوا بشيء منه ازداد ارتباطهم به وتأثرهم بهديه , وكان الإنبهار بطرق عيشهم ومناهج أخلاقهم هو الدافع الأول لذلك التأثر , وليتهم تأثروا بعلومهم التي لهم فيها صلاح , لكنهم تأثروا بما هم في غنى عنه , كالأخلاق والشرائع.
ثم رأيت قريبا شابا مراهقا قد حرص أهله على تحفيظه كتاب الله , وبعد أن ظهر عليه مخايل النجابة والذكاء الخارق , إذا به يضعف في دينه فجأة , ويسوء خلقه في بيته , حتى كان منه إحتقاركل شيء يحمل جنسية قومه , والتنكر لكل أصيل والترحيب بكل مستغرب دخيل , فلما استبنتُ حاله , وجدت أن نفسه أصبحت لا تطاوعه على التدين كما كانت , وأنه يود لو يعيش على الطريقة الأوروبية , بل بلغ ولوعه بها حد التشبه بأهلها , فلما استفصلت معه وجدت أن المتسبب الأول في ذلك هو أساتذته الذين أخذوا يزينون له بلاد الغرب ؛ إذ ما يجدون حسنة من حسنات الدنيا إلا وصفوها بها وجعلوها في مقدمتها , ويقابله الحط من أخلاقيات البلاد الإسلامية ورميها بالتخلف , وهذا ديدن كثير من المنهزمين أمام الحضارة الغربية , وقد كان بدء هذه المشكلة من قبل بعض المبتعثين من المسلمين إلى تلك البلاد ؛ ذهبوا ليجمعوا شيئا من العلم الضروري لينفعوا به أمتهم , فإذا بهم تضعف شخصيتهم أمام التيارات الحضارية الجارفة , فأخذوا يجمعون كل شيء وقع بأيديهم , فكانوا كحاطب ليل يأخذ مرة خشبة , ومرة حية , يحملها معه إلى بيته وهو لا يشعر , فبدلا من أن يحافظوا على حياتهم الإسلامية وعاداتهم العربية التي هي أقرب العادات إلى الفطرة البشرية , إذا بهم يتنكرون لذلك كله أو جله , ليأخذوا من أولئك كل شيء أو كادوا . وقد ذكر لي أن منهم من ينصح طلابه الذين يرغبون في تنمية مهاراتهم اللسانية أن يسافروا إلى بلاد الكفار ليعيشوا معهم في بيوتهم ولو على غسل صحونهم وتطهير مراحيضهم , ولم يفكر هذا فيما ينتج من جرّاء الإحتكاك بهم , ولا فكّر في عسر علاج قلوب أولئك الطلبة إذا رجعوا بأدمغة مغسولة لكن بغير طهر , ونفسيات مخذولة وأخلاق مرذولة , فأمثال هؤلاء يسعون في تقويم اللسان على حساب خراب الجنان , والله المستعان.
لقد أصبح هذا الصنف من المبتعثين هو الناطق الرسمي للدعاية للبلاد الكافرة , وحوّلتهم أيام الإبتعاث إلى هوامش لمدينة الغرب ؛ لأنهم - إلا من رحم الله - يتأثرون بما هنالك ولا يؤثرون, ويذوبون ولا يثبتون , وإن كانت لهم ألسنة معسولة , فقد تجرعت الأمة منهم مرارات , ولسيما في التقنين لها بعقول مستعارة , وقد تبعهم المنهزمون من أهل البلاد الإسلامية , حتى أضحوا جنود الخفاء لتلك البلاد وهم لا يشعرون , فإلى هؤلاء أكتب , ولغيرهم من أبناء المسلمين , ممن يخشى عليه الغزو العقدي الكافر والغزو الخلقي الفاجر , ولو رزق هؤلاء العقل الراجح لقنعوا بما آتاهم الله من إيمان , ولقنع ذلك الشاب بكتاب الله الذي حواه صدره ؛ فإن الله يقول ((ولقد آتينك سبعا من المثاني والقرآن العظيم , لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم )) [ الحجر 87-88 ] .
والله يسدد الجميع للخير , ويرد لهذه الأمة عزّها ويمكّن لها دينها .
كتبه عبد المالك بن أحمد رمضاني.
عندما أطلعت على هذه الكلمات النيرات, وما لها من أهمية لنا نحن المبتعثين خاصة وإلى الأخوة في الوطن عامة, أحببت أن تشاركوني في قرائتها, لعلنا نستفيد منها, وهي مقدمة لكتاب "رفع الذل والصّغارعلى المفتونين بخلق الكفار" ولمن أراد التوسع فأحيله للكتاب, ونسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه.
أخوكم طالب في أمريكا
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد , فإن الباعث على تأليف هذا الكلمات أنني كنت من زمن ألاحظ على كثير من المسلمين التأثر البالغ بالكفار , يكبرون فيهم أخلاقهم وحسن تنظيم حياتهم خاصة, تلك هي نظرتهم الظاهرية الساذجة , في الوقت الذي بلغ فيه أذى هؤلاء للأمة المحمدية ما لا يوصف , بغض النظر عن كفرهم الذي تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ؛ غضبا منها لحق الله سبحانه , وإنك لتعجب من هؤلاء المسلمين المشار إليهم في تصرفهم مع الكفار المعتدين , فألسنتهم تلعنهم , وجوارحهم تتبعهم والمستعمِرالكافر يعتدي على البلاد المسلمة ثم يخرج منها , فإذا بأهل تلك البلاد لا يعجبهم من لغات الحضارة إلا لغة المستعمِر المطرود , مع أن لهم لغتهم الرسمية ولهجتهم المحلية , بل قد تكون لغتهم لغة عريقة في الحضارة يتعلقون بثقافة مستعمرهم وينسون سنوات التعذيب والتشريد والحرمان التي كانوا وكان آباؤهم يعانونها منه , ورضوا بأن يكونوا له أذنابا , وقد كان لهم عذابا , وكلما تعلقوا بشيء منه ازداد ارتباطهم به وتأثرهم بهديه , وكان الإنبهار بطرق عيشهم ومناهج أخلاقهم هو الدافع الأول لذلك التأثر , وليتهم تأثروا بعلومهم التي لهم فيها صلاح , لكنهم تأثروا بما هم في غنى عنه , كالأخلاق والشرائع.
ثم رأيت قريبا شابا مراهقا قد حرص أهله على تحفيظه كتاب الله , وبعد أن ظهر عليه مخايل النجابة والذكاء الخارق , إذا به يضعف في دينه فجأة , ويسوء خلقه في بيته , حتى كان منه إحتقاركل شيء يحمل جنسية قومه , والتنكر لكل أصيل والترحيب بكل مستغرب دخيل , فلما استبنتُ حاله , وجدت أن نفسه أصبحت لا تطاوعه على التدين كما كانت , وأنه يود لو يعيش على الطريقة الأوروبية , بل بلغ ولوعه بها حد التشبه بأهلها , فلما استفصلت معه وجدت أن المتسبب الأول في ذلك هو أساتذته الذين أخذوا يزينون له بلاد الغرب ؛ إذ ما يجدون حسنة من حسنات الدنيا إلا وصفوها بها وجعلوها في مقدمتها , ويقابله الحط من أخلاقيات البلاد الإسلامية ورميها بالتخلف , وهذا ديدن كثير من المنهزمين أمام الحضارة الغربية , وقد كان بدء هذه المشكلة من قبل بعض المبتعثين من المسلمين إلى تلك البلاد ؛ ذهبوا ليجمعوا شيئا من العلم الضروري لينفعوا به أمتهم , فإذا بهم تضعف شخصيتهم أمام التيارات الحضارية الجارفة , فأخذوا يجمعون كل شيء وقع بأيديهم , فكانوا كحاطب ليل يأخذ مرة خشبة , ومرة حية , يحملها معه إلى بيته وهو لا يشعر , فبدلا من أن يحافظوا على حياتهم الإسلامية وعاداتهم العربية التي هي أقرب العادات إلى الفطرة البشرية , إذا بهم يتنكرون لذلك كله أو جله , ليأخذوا من أولئك كل شيء أو كادوا . وقد ذكر لي أن منهم من ينصح طلابه الذين يرغبون في تنمية مهاراتهم اللسانية أن يسافروا إلى بلاد الكفار ليعيشوا معهم في بيوتهم ولو على غسل صحونهم وتطهير مراحيضهم , ولم يفكر هذا فيما ينتج من جرّاء الإحتكاك بهم , ولا فكّر في عسر علاج قلوب أولئك الطلبة إذا رجعوا بأدمغة مغسولة لكن بغير طهر , ونفسيات مخذولة وأخلاق مرذولة , فأمثال هؤلاء يسعون في تقويم اللسان على حساب خراب الجنان , والله المستعان.
لقد أصبح هذا الصنف من المبتعثين هو الناطق الرسمي للدعاية للبلاد الكافرة , وحوّلتهم أيام الإبتعاث إلى هوامش لمدينة الغرب ؛ لأنهم - إلا من رحم الله - يتأثرون بما هنالك ولا يؤثرون, ويذوبون ولا يثبتون , وإن كانت لهم ألسنة معسولة , فقد تجرعت الأمة منهم مرارات , ولسيما في التقنين لها بعقول مستعارة , وقد تبعهم المنهزمون من أهل البلاد الإسلامية , حتى أضحوا جنود الخفاء لتلك البلاد وهم لا يشعرون , فإلى هؤلاء أكتب , ولغيرهم من أبناء المسلمين , ممن يخشى عليه الغزو العقدي الكافر والغزو الخلقي الفاجر , ولو رزق هؤلاء العقل الراجح لقنعوا بما آتاهم الله من إيمان , ولقنع ذلك الشاب بكتاب الله الذي حواه صدره ؛ فإن الله يقول ((ولقد آتينك سبعا من المثاني والقرآن العظيم , لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم )) [ الحجر 87-88 ] .
والله يسدد الجميع للخير , ويرد لهذه الأمة عزّها ويمكّن لها دينها .
كتبه عبد المالك بن أحمد رمضاني.