كتاب الاستاذ احمد مغربي مقال عن جوليات اسانج مؤسس موقع <ويكيليس> وكان مقال مثير احببت ان يقراه الجميع
قراءه ممتعة
قراءه ممتعة
الى المقال
هل يصحّ اختيار الاسترالي جوليان أسانج، مؤسس موقع «ويكيليكس»، وجهاً علمياً في 2010؟ ربما شغل السياسة، وملأ الصحافة، لكنه جاء من تقنيات المعلوماتية وتفاعلها مع الفضاء الافتراضي. بالأحرى، خرج أسانج من صفوف ظاهرة تدين بوجودها كلياً للإنترنت: الهاكرز، الذين يسمَّوْن أيضاً «قراصنة الكومبيوتر». تصلح هذه نقطة بداية مختلفة للنظر الى أسانج، إنه هاكر متمرّس ومحترف وذكي. سبق نشاطه في قرصنة نُظُم الكومبيوتر، مقدراته الأكاديمية، إلى حدّ أنه لم يكمل دراسته الجامعية. وهجر الأكاديميا مفضلاً عليها الاشتغال في برمجة الكومبيوتر والسيطرة على النُّظُم الرقمية وخوض معارك التحدي بين عقل الإنسان وذكاء البرامج المُؤَتْمَتَة التي تدير الكومبيوتر والفضاء الافتراضي للإنترنت.
لا تبدو سيرته عادية. لم تكن طفولته مستقرّة، بل شديدة التقلقل، وكذلك الحال بالنسبة لمراهقته أيضاً.
هل أن الطفل المتقلقل المضطرب هو الوجه الخفي للمتمرد أسانج؟ وُلِد عام 1971، في بلدة تاونسفيل لعائلة استرالية تعمل في المسرح. نقّلت العائلة مسكنها 30 مرّة، قبل أن يبلغ أسانج الرابعة عشرة من العمر. ويروى أنه شارك في تهريب وإخفاء صديق أمّه، بعد طلاقها، لسنوات طويلة، فتنقلوا باستمرار بين مُدن استراليا وبلداتها. هل من خيط نفسي يربط هذه البداية المضطربة في حياة أسانج مع صورة المتمرد التي هو عليها حاضراً؟ قبيل بلوغه العشرين، أُلقي القبض عليه بتهمة اختراق نُظُم الكومبيوتر لشركات ومؤسسات استرالية، وسرقة وثائق منها، إضافة الى مجموعة أخرى من التهم عن تعديات لها علاقة بعوالم الكومبيوتر والإنترنت. واستطاعت المحكمة أن تثبت ارتكابه 26 مخالفة. وأقرّ بما فعل. واكتفت المحكمة بتغريمه مبلغاً زهيداً، مع ملاحظة خاصة من القاضي أشار فيها إلى حشريته الفكرية الفائقة الذكاء.
درس أسانج الرياضيات في جامعة ملبورن، لكنه لم يطق عليها صبراً، ولم يتخرّج منها، ما يذكّر بشيء من سيرة بيل غيتس، مؤسس شركة «مايكروسوفت» العملاقة. ولاحقاً، أعلن أنه لم يكمل دراسته، بسبب علاقة الجامعة مع بحوث يشرف عليها البنتاغون الأميركي عبر «وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدّمة» Defense Advanced Research Projects، التي تُعرف بإسمها المختصر «درابا» DARPA. ويؤثر عن «درابا» أنها صنعت شبكة الإنترنت، لكنها تتولى أيضاً بحوث الأسلحة في الجيش الأميركي.
بعد هجرانه الجامعة، تفرّغ للعمل على البرمجيات، فذاع صيته كصانع بارع لبرامج الكومبيوتر. ولفت انتباهه التزاوج القوي في عالم الإنترنت بين التكنولوجيا الرقمية من جهة، والسرية وأشكال التكتّم التي تُبرّر عادة بالملكية الفكرية من جهة أخرى. وفي العام 2006، تسرّبت بعض وثائق البنتاغون الورقية الى الصحافة، فأحدثت ضجة كبرى، شدّت انتباه أسانج. وتبلورت لديه فكرة تسريب الوثائق الرقمية، باستخدام تقنيات اختراق المواقع الإلكترونية. وأسّس موقع ويكيليكس في 2006. ولم يلفت الموقع انتباه المؤسسات الرسمية في الولايات المتحدة، حتى عندما أثار تسريبه شريط فيديو عن مقتل مدنيين في العراق، نقاشاً واسعاً في الإعلام. وتغيّر موقف المؤسسات الأميركية الرسمية منه بعد ضلوع ضابط معلوماتي في الجيش الأميركي، يدعى برادلي ماننغ، في تسريب الوثائق. وبحكم عمله، امتلك ماننغ الحق في الدخول الى شبكتي «سيبرنت» العسكرية و»جويكس» JWICS، وهو اسم يختصر عبارة «النظام المشترك الدولي لاتصالات الاستخبارات» Joint Worldwide Intelligence System. والمعلوم ان مؤسسات رسمية كثيرة في الولايات المتحدة، تتشارك مع الجيش في استخدام هذه الشبكات، التي تعتبر مأمونة. ووفق رواية شائعة، استطاع برادلي أن يمدّ أسانج بمئات آلاف الوثائق الأميركية عن حربي العراق وأفغانستان، ومراسلات وزارة الخارجية، وأعمال الشركات الأميركية الكبرى، ومراسلات بين المصارف الرئيسية في الولايات المتحدة وغيرها.
ولا يخفي أسانج أنه يعمل بوعي لتعزيز الحرية الرقمية، التي باتت من الحدود المتقدمة للمواطنة في العصر الإلكتروني، إضافة الى علاقته الواضحة مع الهاكرز.
ففي احدى لقاءاته الاعلامية، صرح أسانج بأنه يتحرك بدافع الرغبة في حماية الضحايا. ويضع موقع «ويكيليكس» إعلاناً عن توجهاته، يورد فيها إيمان المشرفين عليه بأن الشفافية في عمل الحكومات سبيل لضرب الفساد، مع تركيز على تلك الحكومات التي تعتقد بأنها في مأمن من المساءلة.
ولطالما عبّر أسانج عن سروره بخوض معارك فكرية، مع ملاحظة أنه الناطق الوحيد بلسان «ويكيليكس».
في المقابل، لا يتردد أسانج في وصف نفسه بكلمات تشير الى تفكير عميق في عمل الصحافة في زمن الإنترنت. «أنا صحافي وناشر ومبتكر». بهذه الكلمات، التي تشبه الصرخة، عرّف أسانج عن فكرة ويكيليكس، بحسب ما ورد في لقائه مع مجلة «تايم» الأميركية أخيراً.
هل من تناقض بين هذه الأمور؟ ربما. لكنه أمر مألوف في ثقافة الغرب، حيث توجد مساحة واسعة وفوّارة للصراع من أجل التمسّك بأساسيات الديموقراطية، التي ترسخّت عبر مسار طويل وصعب في الغرب، والبناء عليها أثناء صنع الصحافة رقمية من نوع غير مألوف حاضراً.
[center]
انتهى المقال
الجراح