سيكولوجيا الإدمان على المخدرات
من المنظور الاجتماعي والديني
في إطار الشر ع الإسلامي
بقلم/ حسين محي الدين سباهي
*كيف تتصرف مع ابنك إذا كان مدمناً ؟
قد يكون من السهل أن يكتشف الأب أو الأم أحد أفراد الأسرة مدمناً من خلال سلوكياته التي يفسدها حتماً " المخدر الأبيض المُدمِّر" وقد يكون من الصعب ألاَّ يعود الابن بعد علاجه الى الإدمان مرَّة أخرى ويفلت من " شلَّة الفساد " وعادة يشبع الطبيب النفسي مريضه المدمن بعد أن أقلع عن الإدمان بنصيحة واحدة ... أرجو ألاَّ أراك مرَّة أخرى ... كيف نواجه معاً هذه القضية؟!
في البداية واجه الأب الصدمة الأولى وعرف أن ابنه أدمن على " المخدر الأبيض " من خلال سلوكه وهزاله وسهره وإهماله وقد بُدِّلت كل طباعه الحلوة الى سلوك شرس ... يهرب من النهار ويعشق الليل، يهمل الدارسة ويهوى الكسل ، يرفع سلاح العنف ويدفن طباع الوداعة ، مصروفه الكبير لا يكفي ، ومقتضيات الأسرة تختفي من الأدراج ، ويهرب من الحوار والحديث مع أسرته ويأتنس بشلة السوء وأصدقاء المخدر الأبيض.
وبصفة عامة فإننا نقول لكل أب لا تفقد ثقتكَ في ابنك ... ولكن لا تجعل هذه الثقة الزائدة تؤدي الى أن تفقد هذا الابن ... وليس هناك مدمن أو شاب انحرف الى طريق المخدرات دون ان تكون هناك علامة أو أكثر من علامة تكشفه ... ومسؤولية الأب ان يثق ويلاحظ وان يدقق طويلاً إذا وجد علامة أو ظاهرة من هذه الظواهر على ابنه... وهذه الظواهر هي:
1- يستيقظ متعباً ولا يكون لديه ميل للذهاب الى المدرسة .
2- تتأرجح حالته لأسباب غير واضحة بين مظاهر العصبية والقلق في يوم ... والسعادة والنشاط في اليوم التالي.
3- يميل الى الخروج كثيراً وتبدو رغبته في البقاء خارج المنزل أكثر كثيراً من البقاء في داخله.
4- يكون له عادة أصحاب جدد غير معروفين وفي العادة يحاول المداراة على علاقته بهم.
5- لا يجيد الإصغاء إلى الأحاديث التي توجه له ويبدو عادة مكتئباً أكبر من سنَِّه .
6- يلاحظ أهل البيت ظاهرة اختفاء نقود أو أشياء ثمينة من البيت وتظهر على الشاب ميول الاقتراض كثيراً من إخوته أو أمه .
7- تبدو عليه علامات التفكير بطريقة جديدة غير مألوفة منه ويتحدث عن أفكار غريبة.
8- يستخدم يديه في حركات ربما غير إرادية وتبدو له نظرة غريبة تائهة.
9- علامة أو ظاهرة مألوفة هي احمرار العينين.
10- يميل الى تناول المأكولات الحلوة خاصة في المساء.
11- يشعر بالعطش ويسعل عادة كثيراً.
12- تواجهه الأحلام المفزعة والكوابيس.
13- يسهل إثارته ولا يجيد الاستماع وتبدو عليه مظاهر الملل وينسحب بسرعة من أي مكان يكون فيه لأنه يميل الى الانطواء، وكثيراً ما يصل إلى مرحلة لا يأبه فيها بأيَّ شيء فلا رغبة في العمل أو في الذهاب الى المدرسة وخلافه.
ولا ينبغي لأحد أن يلوم الابن ولا يعاقب الابن لأنه أخطأ ولا بد أن يكون التصرف بفكر ٍ واع ٍ ويُشعِر الأب ابنه أنه الأب الحنون الذي يرعى مصلحته وينصح ابنه بالانصراف الى الرياضة والدخول في رحلات الأسرة الترفيهية الأسبوعية ، والرعاية الواعية من " بعيد " وشَغل الفراغ وإزالة الأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة المدمِّرة. وفي النهاية ... ورغم قتامة الصورة ... فإن عظمة المجتمع تكمن في القدرة على انتشال جيل الشباب من طوفان الإدمان ... كي لا يعدم شباباً يجب أن يحطم المستحيل وأن يتغلب على هذا الوحش الذي يتربص بعقول الجيل وصحتهم، هذا ونحمد الله ان دساتير الدول العربية تنص معظمها صراحة على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ... ليس استطراداً القول إن خطر المخدرات على اختلاف أنواعها ليس قاصراً على النفس والمال فحسب،ولكنه وباء يسطو على الأخلاق فيفسدها، وعلى الكرامة فيسحقها، وعلى الإرادة فيسلبها، وعلى مفهوم الشرف فيزهق نخوته، وعلى القيم الروحية والسماوية فيسقطها من كل حساب ، وزاد من خطورة هذه الآفة المدمِّرة أن الحدود الفاصلة بين الدول لم تعد حائلاً أمام المهرِّبين ، فمهربوا المخدرات فئة من اعتى المجرمين وأدقهم تنظيراً وأكثرهم دهاء، وأشدهم بطشاً ، وأوفرهم مالاً ونفوذاً ...
خــلاصـــة
إن إدمان المخدر هو حالة من التسمم المؤقت أو الدائم تضر بالفرد وسببه المواظبة على تجرع مخدر طبيعي أو صناعي وما يميز هذه الحالة حاجة إنسان أو رغبة لا تقاوم مع دافع نفسي يميل صاحبه لمواصلة زيادة كمية الجرعات للحصول على نفس التأثير الفسيولوجي في اليوم السابق من تناوله نفس المخدر.
وتختلف أعراض الامتناع عن تناول المخدر باختلاف نوع المخدر ومن أمثله ذلك ما يحدث عند التوقف المفاجئ لعقار المورفين أو الهيروين حيث تبدأ الأعراض بالتثاؤب الشديد وانصباب اللعاب الشديد في الفم وانسكاب الدموع من العين وانسياب لإفرازات الأنف مع إسهال شديد متكرر وقيء ومغص معوي ويصحب ذلك عرق بارد غزير وتحدث آلام شديدة في العضلات كلها وزيادة في ضربات القلب ولا يلبث المدمن أن يدخل في مرحلة النوم القلق ويصحو يتملكه الرعب والخوف ويبقى على هذه الحالة ثلاثة أيام ثم تبدأ الأعراض الخطيرة بالتحسن التدريجي حتى يعود لوضعه الطبيعي خلال أسبوعين وقد يتوفى المدمن وهو في هذه الحالة نتيجة لفقدان السوائل ومعادن الجسم وهذه الحالة تحتاج الى علاج في المصحَّات الخاصة أو في مستشفى تحت رعاية طبية خاصة وتعود أسباب تعاطي المخدرات الى عوامل عديدة في مقدمتها:
- ضعف الــوازع الــديني وعـــدم اللجــــوء الى الله
تعالى في الشدائد والمحن.
- الترف الزائد ووفرة المال لدى الكثير من الناس.
- سوء التربية وأصدقاء الســــــــوء الذين يزينون
للإنســـــان قبائح الأفعال.
- الفــــراغ القاتـــل ومحــاولة شغله بـــأي وسيلة.
- الهروب من المشكلات وعدم القدرة على حلها ولكن هروب الى جحيم المخدرات.
- القنوات الفضائية وما تبثه من برامج وأفلام تدعو
الى الوقوع بالفواحش ومهاوي الرذيلة بشتى أنواعها ومنها إدمان المخدرات.
- اللجوء الى بعض الأدوية والمخدرات دون
استشارة أهل الاختصاص فيقع الإنسان في براثن الإدمان دون أن يشعر.
- حب الاستطلاع والتجربة ومن التجارب ما قتل.
ومن أبرز المشكلات المترتبة على الإدمان نذكر ما يلي:
1- مشكلات أخلاقية : بالنسبة للفتيات المتعاطيات يتحولن الى البغاء والعهر.
2- مشكلات اجتماعية واقتصادية : زيادة جرائم السرقة والعنف والقتل على يد المدمنين وتسبب عملية الانتشار وتجارة المخدرات خسارة اقتصادية على مستوى العالم تقدر بنحو ( 300مليار دولار ).
3- حوادث المرور وحوادث العمل .
4 – مشكلات صحية : انتشار مرض نقص المناعة ( الإيدز ) وتبلغ نسبة المصابين به اليوم (25%) من مدمني المخدرات.
5 - مشكلات إجرامية : كما يحدث في حالة إدمان الكوكايين حيث يعاني المدمن من هلوسة حادة وهذيان ويشعر المدمن بتنميل وحك الجلد وتتميز تصرفاته بالعنف والمبالغة في القسوة فيميل الى اقتراف الجرائم.وهنا لابد من الإشارة الى أن الإعلام يلعب دوراً كبيراً في الوقاية من تعاطي المخدرات عن طريق نشر الثقافة والتوعية التي تحصّن الأشخاص ضد التعاطي إلاَّ أن ذلك لا ينفي أن عملية وقاية المجتمع من المخدرات مسؤولية جميع مؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية، بالإضافة لمشاركة المتخصصين في مختلف العلوم المتصلة بهذه المشكلة وآثارها السلبية المترتبة على زيادة حجم انتشارها في أي مجتمع ولارتباطها بالعديد من أنماط الجرائم الأخرى مثل الجريمة المنظمة وتجارة السلاح والإرهاب وغسيل الأموال وتهريبها عبر الحدود الدولية...
ومن هنا تأتي الأهمية القصوى في وقاية المجتمع من المخدرات.
* المخـــدرات بين القـرآن والسنَّة*
لقد أثبتت البحوث العلميَّة والأجنبيَّة أن تعاطي المخدرات يؤثر تأثيراً متفاوت الدرجات في الوظائف العقلية للفرد من حيث الإدراك والتفكير والتذكر والتخيَّل والتصوَّر والقدرة على الابتكار وغير ذلك من وظائف العقل المختلفة هذا فضلاً عن تأثيرها في الحواس والتآزر العضلي العصبي، كما تؤثر أيضاً في الجانب الانفعالي والوجداني للشخصية وفي علاقة الفرد وتوافقه مع نفسه ومع غيره من الناس، بالإضافة الى الأضرار التي تلحق من يتعاطى المخدرات في جسمه ووظائف أعضائه وانطلاقاً من ذلك ومما سبق بيانه عن مدى إحاطة الإسلام للعقل بسياج من الحفظ والرعاية يكون حكم تعاطي المخدرات وكـــــذلك السمـــوم البيضــاء ، هـــــو التحــريــــم
وذلك للأسباب الآتية:
1- ما في تعاطي المخدرات من الأضرار النفسيَّة والمعنوية وقد تأكد ذلك بالتجارب والأبحاث وذلك داخل القاعدة الشرعية التي أرساها الحديث النبوي الشريف " لا ضرر ولا ضرار" .
2- في تعاطي المخدرات اعتداء على النفس البشرية بتعطيل قوَّة أودعها الله فيها وهي العقل ، كما أنه في نفس الوقت عدوان على أعضاء الجسم بتعطيل بعضها عن وظائفها في الحال أو في المآل وقد حظر الشرع على كل إنسان أن يعتدي على نفسه كلياً أو جزئياً فقال تعالى " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" وقد استدل عمرو بن العاص بهذه الآية على أنه يجوز لمن خاف من البرد أن يقتله يجوز له أن يتيمّم وأقره الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على هذا الاستدلال ( كما ذكر أبو داود وابن حيان ) وذلك يعطينا المعنى المطلوب في وجوب الابتعاد عمَّا من شأنه الأضرار بالنفس، وقد ورد في الحديث الشريف " من قتل نفسه بشيء عُذِّب به يوم القيامة " ( أورده مسلم والبخاري ) وقول الرسول أيضاً: " من قتل نفسه بسم عُذِّب به في نار جهنم " ولا شك أن تعاطي المخدرات هو تناول السموم دورياً أو مزمناً ولا حرية للإنسان في اعتدائه على نفسه لأنه في نظر المتدينين ملك لخالقه يتصرف كما أمره فلا يخالفه وفي نظر غيرهم هو نتاج مجتمع فلا يليق أن يتصرف في نفسه بما يفوِّت على المجتمع منفعة لوجده أو إمكانياته.
3- في تعاطي المخدرات أضرار اقتصادية بالفرد وبالمجتمع وذلك محرَّم في الشريعة حيث قال ( صلى الله عليه وسلم) " إن الله ينهاكم عن إضاعة المال" ، وغير ذلك من الدلائل التي جعلت ابن حجر وغيره يقول" إنفاق المال في الوجوه المذمومة شرعاً لا شك في تحريمه "
ويقول السبكي: " ومن بذل مالاً كثيراً في عرض يسير فإنه يُعدُّه العقلاء مَضيِّعا" ونقول : كيف بمن ينفق المال ليجلب الضرر ويُعوِّق سبل المنافع؟
4- المخدرات في صورها وفي آثارها من الخبائث، وقد قال تعالى في بيان مهمة الرسول( صلى الله عليه وسلم) " ويُحرِّم عليهم الخبائث ".
5- أنها لا شك أحد العوامل الدافعة الى الإجرام والى البعد عن ذكر الله وعن الصلاة بما تحدثه من تأثير في التعقل والتخيّل وهي تشترك مع الخمر في الحكم والتحريم كما في قوله تعالى: " إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدَّكم عن ذكر الله وعن الصلاة " فالمخدرات تشترك مع الخمر بما تحدثه من أثر وبالتالي في التحريم.
6- إن المخدرات مسكّرة كالخمر ولا اعتبار باختلاف الاسم كما قدمنا وقد جاء عن السيّدة عائشة رضي الله عنها قالت" إن الله لم يحرِّم الخمر لاسمها وإنما حرَّمها لعاقبتها فكل شراب يكون عاقبته كعاقبة الخمر فهو حرام كتحريم الخمر" وقالت رضي الله عنها" لا أُحلَّ مُسَكِّراً وإن كان خبزاً أو ماء" وقيل لأعرابي " لا تشرب الخمر فقال : لا أشرب ما يشرب عقلي " ومعنى هذا أن المخدرات من حيث حكمها الشرعي تدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم : " كُل مُسَكِّرْ حرام " ولئن ادعى البعض عدم السكر بعد ما سبق إيضاحه فإن الدليل الذي تؤكد به حرمة المخدرات هو ما روته أم سَلَمَة رضي الله عنها قالت " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم عن كل مُسَكِّر و مُفَتِّر " وقال الخطابي في شرحه " المفتر كل شراب يورث الفتور والخور في الأعضاء" وقال ابن حجر " هذا الحديث فيه دليل على تحريم الحشيش فإنها تُسْكِر وتُخَدِّر وتُفَتِّر" ، ولنا أن نتصور مدى الحرمة في المسكرات والمخدرات حين نعلم أن بعض الحنابلة ذهب إلى أنه لا ينفذ حكم القاضي إذا قضى في حال غضبه معتمدين في ذلك على الحديث الشريف: " لا يَقْضِيَنَّ حاكم بين اثنين وهو غضبان" .
وقال ابن دقيق العيد " النهي عن الحكم في حال الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه الأكمل ، قال : وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقاً يشغله عن استيفاء النظر ثم قال: وكأن الحكمة في الاقتصار على ذكر الغضب لاستيلائه على النفس وصعوبة مقاومته بخلاف غيره.
فنحن أمام مزيد من الاحتياط لسلامة الفكر والتروي في الأمور فما بالنا إذن بما تحدثه المسكرات والمخدرات في عقول الناس وأفكارهم مما تنعكس آثاره بغير شك على معييشهم وسائر شؤونهم، ومن هنا ندرك نعمة الله على كل من اهتدى بهديه واستقام على طريقه واجتنب ما حرم الله فإنه بغير شك قد سلم من كثير من الغوائل وخلص من عديد من المشاكل واستمسك بأسباب الطمأنينة والأمان.
ولقد أدى علماء المسلمين وفقهاؤهم واجب النصيحة فيما يُنفِّر من الوقوع في شباك المسكرات والمخدرات وذلك بتصريف القول في بيان الحكم الشرعي مع الإبانة عن شيء من أسبابه كما ذكرنا ويقول ابن تيميَّة: " لم يتكلم عليها الأئمة الأربعة وغيرهم من علماء السلف لأنها لم تكن في زمانهم وإنما ظهرت في أواخر المائة السادسة وأول المائة السابعة هجرية حين ظهرت دولة التتار، ورأى ابن تيمية نفسه فيقول :" والحشيشة المسكرة حرام ومن استحل السكر منها فقد كفر، بل هي في أصح قول العلماء نَجِسَه كالخمر، فالخمر كالبول والحشيش كالعذرة" وقال أيضاً :" هي من أعظم المنكرات وهي شر من الخمور في بعض الوجوه لأنها تورث نشوة ولذة وطرباً ويصعب الفطام عنها أعظم من الخمر".
وقال القسطلاني: ويدخل في قوله ( صلى الله عليه وسلم) :" كل مسكر حرام" حشيشة الفقراء وغيرها وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة ثم قال:" وفي معنى شرب الخمر أكله بأن كان ثخيناً أو أكله بخبز "
ومن ناحية أخرى فقد ألف بعض العلماء كتباً عن أنواع المخدرات وبيان حرمتها ومن ذلك كتاب" تكريم المعيشة بتحريم الحشيشة" ( أبي بكر محمد القسطلاني ) وكتاب " رسالة في تحريم الحشيشة وجوزة الطيب" تكلم فيها صاحبها عن سائر المخدرات ومؤلفها عماد الدين بن أبي شريف ، وغيره من الكتب الأخرى.
7- حكى الإجماع إلى حرمة الحشيش ابن تيميَّة والقرافي وشمس الحق.
من المنظور الاجتماعي والديني
في إطار الشر ع الإسلامي
بقلم/ حسين محي الدين سباهي
*كيف تتصرف مع ابنك إذا كان مدمناً ؟
قد يكون من السهل أن يكتشف الأب أو الأم أحد أفراد الأسرة مدمناً من خلال سلوكياته التي يفسدها حتماً " المخدر الأبيض المُدمِّر" وقد يكون من الصعب ألاَّ يعود الابن بعد علاجه الى الإدمان مرَّة أخرى ويفلت من " شلَّة الفساد " وعادة يشبع الطبيب النفسي مريضه المدمن بعد أن أقلع عن الإدمان بنصيحة واحدة ... أرجو ألاَّ أراك مرَّة أخرى ... كيف نواجه معاً هذه القضية؟!
في البداية واجه الأب الصدمة الأولى وعرف أن ابنه أدمن على " المخدر الأبيض " من خلال سلوكه وهزاله وسهره وإهماله وقد بُدِّلت كل طباعه الحلوة الى سلوك شرس ... يهرب من النهار ويعشق الليل، يهمل الدارسة ويهوى الكسل ، يرفع سلاح العنف ويدفن طباع الوداعة ، مصروفه الكبير لا يكفي ، ومقتضيات الأسرة تختفي من الأدراج ، ويهرب من الحوار والحديث مع أسرته ويأتنس بشلة السوء وأصدقاء المخدر الأبيض.
وبصفة عامة فإننا نقول لكل أب لا تفقد ثقتكَ في ابنك ... ولكن لا تجعل هذه الثقة الزائدة تؤدي الى أن تفقد هذا الابن ... وليس هناك مدمن أو شاب انحرف الى طريق المخدرات دون ان تكون هناك علامة أو أكثر من علامة تكشفه ... ومسؤولية الأب ان يثق ويلاحظ وان يدقق طويلاً إذا وجد علامة أو ظاهرة من هذه الظواهر على ابنه... وهذه الظواهر هي:
1- يستيقظ متعباً ولا يكون لديه ميل للذهاب الى المدرسة .
2- تتأرجح حالته لأسباب غير واضحة بين مظاهر العصبية والقلق في يوم ... والسعادة والنشاط في اليوم التالي.
3- يميل الى الخروج كثيراً وتبدو رغبته في البقاء خارج المنزل أكثر كثيراً من البقاء في داخله.
4- يكون له عادة أصحاب جدد غير معروفين وفي العادة يحاول المداراة على علاقته بهم.
5- لا يجيد الإصغاء إلى الأحاديث التي توجه له ويبدو عادة مكتئباً أكبر من سنَِّه .
6- يلاحظ أهل البيت ظاهرة اختفاء نقود أو أشياء ثمينة من البيت وتظهر على الشاب ميول الاقتراض كثيراً من إخوته أو أمه .
7- تبدو عليه علامات التفكير بطريقة جديدة غير مألوفة منه ويتحدث عن أفكار غريبة.
8- يستخدم يديه في حركات ربما غير إرادية وتبدو له نظرة غريبة تائهة.
9- علامة أو ظاهرة مألوفة هي احمرار العينين.
10- يميل الى تناول المأكولات الحلوة خاصة في المساء.
11- يشعر بالعطش ويسعل عادة كثيراً.
12- تواجهه الأحلام المفزعة والكوابيس.
13- يسهل إثارته ولا يجيد الاستماع وتبدو عليه مظاهر الملل وينسحب بسرعة من أي مكان يكون فيه لأنه يميل الى الانطواء، وكثيراً ما يصل إلى مرحلة لا يأبه فيها بأيَّ شيء فلا رغبة في العمل أو في الذهاب الى المدرسة وخلافه.
ولا ينبغي لأحد أن يلوم الابن ولا يعاقب الابن لأنه أخطأ ولا بد أن يكون التصرف بفكر ٍ واع ٍ ويُشعِر الأب ابنه أنه الأب الحنون الذي يرعى مصلحته وينصح ابنه بالانصراف الى الرياضة والدخول في رحلات الأسرة الترفيهية الأسبوعية ، والرعاية الواعية من " بعيد " وشَغل الفراغ وإزالة الأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة المدمِّرة. وفي النهاية ... ورغم قتامة الصورة ... فإن عظمة المجتمع تكمن في القدرة على انتشال جيل الشباب من طوفان الإدمان ... كي لا يعدم شباباً يجب أن يحطم المستحيل وأن يتغلب على هذا الوحش الذي يتربص بعقول الجيل وصحتهم، هذا ونحمد الله ان دساتير الدول العربية تنص معظمها صراحة على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ... ليس استطراداً القول إن خطر المخدرات على اختلاف أنواعها ليس قاصراً على النفس والمال فحسب،ولكنه وباء يسطو على الأخلاق فيفسدها، وعلى الكرامة فيسحقها، وعلى الإرادة فيسلبها، وعلى مفهوم الشرف فيزهق نخوته، وعلى القيم الروحية والسماوية فيسقطها من كل حساب ، وزاد من خطورة هذه الآفة المدمِّرة أن الحدود الفاصلة بين الدول لم تعد حائلاً أمام المهرِّبين ، فمهربوا المخدرات فئة من اعتى المجرمين وأدقهم تنظيراً وأكثرهم دهاء، وأشدهم بطشاً ، وأوفرهم مالاً ونفوذاً ...
خــلاصـــة
إن إدمان المخدر هو حالة من التسمم المؤقت أو الدائم تضر بالفرد وسببه المواظبة على تجرع مخدر طبيعي أو صناعي وما يميز هذه الحالة حاجة إنسان أو رغبة لا تقاوم مع دافع نفسي يميل صاحبه لمواصلة زيادة كمية الجرعات للحصول على نفس التأثير الفسيولوجي في اليوم السابق من تناوله نفس المخدر.
وتختلف أعراض الامتناع عن تناول المخدر باختلاف نوع المخدر ومن أمثله ذلك ما يحدث عند التوقف المفاجئ لعقار المورفين أو الهيروين حيث تبدأ الأعراض بالتثاؤب الشديد وانصباب اللعاب الشديد في الفم وانسكاب الدموع من العين وانسياب لإفرازات الأنف مع إسهال شديد متكرر وقيء ومغص معوي ويصحب ذلك عرق بارد غزير وتحدث آلام شديدة في العضلات كلها وزيادة في ضربات القلب ولا يلبث المدمن أن يدخل في مرحلة النوم القلق ويصحو يتملكه الرعب والخوف ويبقى على هذه الحالة ثلاثة أيام ثم تبدأ الأعراض الخطيرة بالتحسن التدريجي حتى يعود لوضعه الطبيعي خلال أسبوعين وقد يتوفى المدمن وهو في هذه الحالة نتيجة لفقدان السوائل ومعادن الجسم وهذه الحالة تحتاج الى علاج في المصحَّات الخاصة أو في مستشفى تحت رعاية طبية خاصة وتعود أسباب تعاطي المخدرات الى عوامل عديدة في مقدمتها:
- ضعف الــوازع الــديني وعـــدم اللجــــوء الى الله
تعالى في الشدائد والمحن.
- الترف الزائد ووفرة المال لدى الكثير من الناس.
- سوء التربية وأصدقاء الســــــــوء الذين يزينون
للإنســـــان قبائح الأفعال.
- الفــــراغ القاتـــل ومحــاولة شغله بـــأي وسيلة.
- الهروب من المشكلات وعدم القدرة على حلها ولكن هروب الى جحيم المخدرات.
- القنوات الفضائية وما تبثه من برامج وأفلام تدعو
الى الوقوع بالفواحش ومهاوي الرذيلة بشتى أنواعها ومنها إدمان المخدرات.
- اللجوء الى بعض الأدوية والمخدرات دون
استشارة أهل الاختصاص فيقع الإنسان في براثن الإدمان دون أن يشعر.
- حب الاستطلاع والتجربة ومن التجارب ما قتل.
ومن أبرز المشكلات المترتبة على الإدمان نذكر ما يلي:
1- مشكلات أخلاقية : بالنسبة للفتيات المتعاطيات يتحولن الى البغاء والعهر.
2- مشكلات اجتماعية واقتصادية : زيادة جرائم السرقة والعنف والقتل على يد المدمنين وتسبب عملية الانتشار وتجارة المخدرات خسارة اقتصادية على مستوى العالم تقدر بنحو ( 300مليار دولار ).
3- حوادث المرور وحوادث العمل .
4 – مشكلات صحية : انتشار مرض نقص المناعة ( الإيدز ) وتبلغ نسبة المصابين به اليوم (25%) من مدمني المخدرات.
5 - مشكلات إجرامية : كما يحدث في حالة إدمان الكوكايين حيث يعاني المدمن من هلوسة حادة وهذيان ويشعر المدمن بتنميل وحك الجلد وتتميز تصرفاته بالعنف والمبالغة في القسوة فيميل الى اقتراف الجرائم.وهنا لابد من الإشارة الى أن الإعلام يلعب دوراً كبيراً في الوقاية من تعاطي المخدرات عن طريق نشر الثقافة والتوعية التي تحصّن الأشخاص ضد التعاطي إلاَّ أن ذلك لا ينفي أن عملية وقاية المجتمع من المخدرات مسؤولية جميع مؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية، بالإضافة لمشاركة المتخصصين في مختلف العلوم المتصلة بهذه المشكلة وآثارها السلبية المترتبة على زيادة حجم انتشارها في أي مجتمع ولارتباطها بالعديد من أنماط الجرائم الأخرى مثل الجريمة المنظمة وتجارة السلاح والإرهاب وغسيل الأموال وتهريبها عبر الحدود الدولية...
ومن هنا تأتي الأهمية القصوى في وقاية المجتمع من المخدرات.
* المخـــدرات بين القـرآن والسنَّة*
لقد أثبتت البحوث العلميَّة والأجنبيَّة أن تعاطي المخدرات يؤثر تأثيراً متفاوت الدرجات في الوظائف العقلية للفرد من حيث الإدراك والتفكير والتذكر والتخيَّل والتصوَّر والقدرة على الابتكار وغير ذلك من وظائف العقل المختلفة هذا فضلاً عن تأثيرها في الحواس والتآزر العضلي العصبي، كما تؤثر أيضاً في الجانب الانفعالي والوجداني للشخصية وفي علاقة الفرد وتوافقه مع نفسه ومع غيره من الناس، بالإضافة الى الأضرار التي تلحق من يتعاطى المخدرات في جسمه ووظائف أعضائه وانطلاقاً من ذلك ومما سبق بيانه عن مدى إحاطة الإسلام للعقل بسياج من الحفظ والرعاية يكون حكم تعاطي المخدرات وكـــــذلك السمـــوم البيضــاء ، هـــــو التحــريــــم
وذلك للأسباب الآتية:
1- ما في تعاطي المخدرات من الأضرار النفسيَّة والمعنوية وقد تأكد ذلك بالتجارب والأبحاث وذلك داخل القاعدة الشرعية التي أرساها الحديث النبوي الشريف " لا ضرر ولا ضرار" .
2- في تعاطي المخدرات اعتداء على النفس البشرية بتعطيل قوَّة أودعها الله فيها وهي العقل ، كما أنه في نفس الوقت عدوان على أعضاء الجسم بتعطيل بعضها عن وظائفها في الحال أو في المآل وقد حظر الشرع على كل إنسان أن يعتدي على نفسه كلياً أو جزئياً فقال تعالى " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" وقد استدل عمرو بن العاص بهذه الآية على أنه يجوز لمن خاف من البرد أن يقتله يجوز له أن يتيمّم وأقره الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على هذا الاستدلال ( كما ذكر أبو داود وابن حيان ) وذلك يعطينا المعنى المطلوب في وجوب الابتعاد عمَّا من شأنه الأضرار بالنفس، وقد ورد في الحديث الشريف " من قتل نفسه بشيء عُذِّب به يوم القيامة " ( أورده مسلم والبخاري ) وقول الرسول أيضاً: " من قتل نفسه بسم عُذِّب به في نار جهنم " ولا شك أن تعاطي المخدرات هو تناول السموم دورياً أو مزمناً ولا حرية للإنسان في اعتدائه على نفسه لأنه في نظر المتدينين ملك لخالقه يتصرف كما أمره فلا يخالفه وفي نظر غيرهم هو نتاج مجتمع فلا يليق أن يتصرف في نفسه بما يفوِّت على المجتمع منفعة لوجده أو إمكانياته.
3- في تعاطي المخدرات أضرار اقتصادية بالفرد وبالمجتمع وذلك محرَّم في الشريعة حيث قال ( صلى الله عليه وسلم) " إن الله ينهاكم عن إضاعة المال" ، وغير ذلك من الدلائل التي جعلت ابن حجر وغيره يقول" إنفاق المال في الوجوه المذمومة شرعاً لا شك في تحريمه "
ويقول السبكي: " ومن بذل مالاً كثيراً في عرض يسير فإنه يُعدُّه العقلاء مَضيِّعا" ونقول : كيف بمن ينفق المال ليجلب الضرر ويُعوِّق سبل المنافع؟
4- المخدرات في صورها وفي آثارها من الخبائث، وقد قال تعالى في بيان مهمة الرسول( صلى الله عليه وسلم) " ويُحرِّم عليهم الخبائث ".
5- أنها لا شك أحد العوامل الدافعة الى الإجرام والى البعد عن ذكر الله وعن الصلاة بما تحدثه من تأثير في التعقل والتخيّل وهي تشترك مع الخمر في الحكم والتحريم كما في قوله تعالى: " إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدَّكم عن ذكر الله وعن الصلاة " فالمخدرات تشترك مع الخمر بما تحدثه من أثر وبالتالي في التحريم.
6- إن المخدرات مسكّرة كالخمر ولا اعتبار باختلاف الاسم كما قدمنا وقد جاء عن السيّدة عائشة رضي الله عنها قالت" إن الله لم يحرِّم الخمر لاسمها وإنما حرَّمها لعاقبتها فكل شراب يكون عاقبته كعاقبة الخمر فهو حرام كتحريم الخمر" وقالت رضي الله عنها" لا أُحلَّ مُسَكِّراً وإن كان خبزاً أو ماء" وقيل لأعرابي " لا تشرب الخمر فقال : لا أشرب ما يشرب عقلي " ومعنى هذا أن المخدرات من حيث حكمها الشرعي تدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم : " كُل مُسَكِّرْ حرام " ولئن ادعى البعض عدم السكر بعد ما سبق إيضاحه فإن الدليل الذي تؤكد به حرمة المخدرات هو ما روته أم سَلَمَة رضي الله عنها قالت " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم عن كل مُسَكِّر و مُفَتِّر " وقال الخطابي في شرحه " المفتر كل شراب يورث الفتور والخور في الأعضاء" وقال ابن حجر " هذا الحديث فيه دليل على تحريم الحشيش فإنها تُسْكِر وتُخَدِّر وتُفَتِّر" ، ولنا أن نتصور مدى الحرمة في المسكرات والمخدرات حين نعلم أن بعض الحنابلة ذهب إلى أنه لا ينفذ حكم القاضي إذا قضى في حال غضبه معتمدين في ذلك على الحديث الشريف: " لا يَقْضِيَنَّ حاكم بين اثنين وهو غضبان" .
وقال ابن دقيق العيد " النهي عن الحكم في حال الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه الأكمل ، قال : وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقاً يشغله عن استيفاء النظر ثم قال: وكأن الحكمة في الاقتصار على ذكر الغضب لاستيلائه على النفس وصعوبة مقاومته بخلاف غيره.
فنحن أمام مزيد من الاحتياط لسلامة الفكر والتروي في الأمور فما بالنا إذن بما تحدثه المسكرات والمخدرات في عقول الناس وأفكارهم مما تنعكس آثاره بغير شك على معييشهم وسائر شؤونهم، ومن هنا ندرك نعمة الله على كل من اهتدى بهديه واستقام على طريقه واجتنب ما حرم الله فإنه بغير شك قد سلم من كثير من الغوائل وخلص من عديد من المشاكل واستمسك بأسباب الطمأنينة والأمان.
ولقد أدى علماء المسلمين وفقهاؤهم واجب النصيحة فيما يُنفِّر من الوقوع في شباك المسكرات والمخدرات وذلك بتصريف القول في بيان الحكم الشرعي مع الإبانة عن شيء من أسبابه كما ذكرنا ويقول ابن تيميَّة: " لم يتكلم عليها الأئمة الأربعة وغيرهم من علماء السلف لأنها لم تكن في زمانهم وإنما ظهرت في أواخر المائة السادسة وأول المائة السابعة هجرية حين ظهرت دولة التتار، ورأى ابن تيمية نفسه فيقول :" والحشيشة المسكرة حرام ومن استحل السكر منها فقد كفر، بل هي في أصح قول العلماء نَجِسَه كالخمر، فالخمر كالبول والحشيش كالعذرة" وقال أيضاً :" هي من أعظم المنكرات وهي شر من الخمور في بعض الوجوه لأنها تورث نشوة ولذة وطرباً ويصعب الفطام عنها أعظم من الخمر".
وقال القسطلاني: ويدخل في قوله ( صلى الله عليه وسلم) :" كل مسكر حرام" حشيشة الفقراء وغيرها وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة ثم قال:" وفي معنى شرب الخمر أكله بأن كان ثخيناً أو أكله بخبز "
ومن ناحية أخرى فقد ألف بعض العلماء كتباً عن أنواع المخدرات وبيان حرمتها ومن ذلك كتاب" تكريم المعيشة بتحريم الحشيشة" ( أبي بكر محمد القسطلاني ) وكتاب " رسالة في تحريم الحشيشة وجوزة الطيب" تكلم فيها صاحبها عن سائر المخدرات ومؤلفها عماد الدين بن أبي شريف ، وغيره من الكتب الأخرى.
7- حكى الإجماع إلى حرمة الحشيش ابن تيميَّة والقرافي وشمس الحق.